مقالات

مجلس الشيوخ.. تشكيله وصلاحياته وطبيعته

مجلس الشيوخ.. تشكيله وصلاحياته وطبيعته

زياد بهاء الدين

اقترب تشكيل مجلس الشيوخ من نهايته، ليعود إلى الساحة المجلس النيابى الاستشارى الذى عرفناه قبل ثورة ٢٥ يناير، ثم جرى إلغاؤه ثم إعادته مرة أخرى بموجب تعديل الدستور فى العام الماضى، فما طبيعة هذا المجلس، وما تشكيله، وما صلاحياته، وما أهميته؟

يتكون مجلس الشيوخ من ٣٠٠ عضو، ثلثهم منتخب بالنظام الفردى، والثلث بنظام القائمة المطلقة، أما الثلث الباقى فيتم تعيينه بقرار جمهورى.

بالنسبة للثلث الفردى فهو منتخب بالفعل، رغم اتساع الدوائر ورغم أى مآخذ على الممارسات الانتخابية، لأن التنافس بين المرشحين على كسب ثقة وأصوات الناخبين هو جوهر العملية الانتخابية.

أما بالنسبة للثلث المنتخب بالقائمة المطلقة فالأمر يختلف، فبينما نظام القوائم النسبية المعروف فى بعض البلدان يؤدى إلى فوز كل القوائم المتنافسة بعدد من المقاعد يتناسب مع الأصوات التى حصلت عليها، إلا أن التطبيق المصرى الفريد من نوعه أخذ بنظام «القوائم المطلقة»، حيث تحصد القائمة الحائزة على أغلبية الأصوات كل مقاعد الدائرة، ولا تحصل القوائم الأخرى على أى تمثيل، مهما كان نصيبها من أصوات الناخبين. وهذا النظام يتناقض مع مفهوم الانتخابات لأنه يلغى احتمال حصول الأقلية على أى مقاعد، ويجعل المشاركة مجدية فقط للقائمة الوحيدة الضامنة لأغلبية الأصوات. ولهذا فإن المنافسة الحقيقية على مقاعد القائمة المطلقة لا تحسمها الانتخابات ولا الأصوات ولا الناس، بل يحسمها مبكرًا قرار الجهات المعنية بتشكيل القائمة الوحيدة الضامنة للفوز. لذلك يلزم اعتبار هذا الثلث من مجلس الشيوخ معينًا لا منتخبًا.

ويتبقى بعد ذلك الثلث الذى يتم تعيينه رسميًا بقرار جمهورى، وهذا تعيين صريح، ولا ينطوى على ادعاء بغير ذلك، ويجد مصدره فى الدستور، الذى يُجيز لرئيس الجمهورية أن يعين نسبة من أعضاء البرلمان يحددها القانون الانتخابى. ولكن فى حين أن هذه النسبة اقتصرت بالنسبة لمجلس النواب على ٥٪ من الأعضاء فإنها فى حالة مجلس الشيوخ قفزت إلى ٣٣٪،

فإذا نظرنا بعد ذلك إلى صلاحيات المجلس الجديد فسنجد أن القانون نص على أن مهمته «دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوسيد دعائم الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعى والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة وتعميق النظام الديمقراطى وتوسيع مجالاته». ولكن برغم هذا الوصف فإن سلطات المجلس وفقًا للقانون محدودة، وذات طابع استشارى، إذ تقتصر على إبداء الرأى فى (١) تعديل الدستور، (٢) مشروع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، (٣) المعاهدات الدولية المتعلقة بالصلح والتحالف أو بحقوق السيادة، (٤) مشروعات القوانين المكملة للدستور، و(٥) ما يرى رئيس الجمهورية إحالته إلى المجلس. أما بالنسبة للرقابة على الحكومة فإن القانون تضمن حكمًا صريحًا بشأن علاقة مجلس الشيوخ بالسلطة التنفيذية، إذ نص على أن «رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة غير مسؤولين أمام مجلس الشيوخ».

صديق سألنى، منذ يومين: «حسنًا، معك حق فى أن ثلثى أعضاء مجلس الشيوخ يشغلون مواقعهم بالتعيين وليس الانتخاب، وأن المجلس محدود الصلاحية سواء فى التشريع أو فى الرقابة على الحكومة. ولكن ما الضرر فى تشكيل مجلس استشارى يضم خبرات متميزة تستعين بهم الدولة وتستنير برأيهم فى القضايا المهمة؟»

والحقيقة أنه لا ضرر فى ذلك، بل أتمنى أن توسع الدولة دائرة مَن تستشيرهم وتستمع إلى نصيحتهم، كما أن العديد من المجالس الأخرى فى مصر ليست منتخبة، مثل مجالس المرأة وحقوق الإنسان والسكان والإعلام وغيرها. ولكن إن كان مبدأ التعيين فى المجالس الاستشارية ليس عيبًا فى حد ذاته، فإن المشكلة هى خلط التعيين بالانتخاب، ومنح الحصانة لمجلس أغلبيته غير منتخبة، والتعامل مع الموضوع باعتباره شكلًا من أشكال الممارسة الديمقراطية، وهو ليس كذلك.

وعلى أى حال، فإن الرأى العام سوف ينسى سريعًا مَن كان منتخبًا ومَن كان معينًا، وسيحاسب مجلس الشيوخ ليس بما ينص عليه القانون، بل بما يحدثه من أثر على الحياة السياسية، وسيكسب أعضاء المجلس احترام الناس أو استخفافهم وفقًا لمواقفهم من الدستور والقانون والحريات ومن القضايا التى تهم الناس، وتمنياتى أن يكونوا فى ذلك أكثر حظًا وأفضل أداء من مجلس النواب، الذى تنتهى مدته قريبًا.

نقلا عن المصري اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى