إبراهيم شعبان يكتب: معًا لريادة فنية جديدة بعيدًا عن البلطجة والمخدرات ونضال الراقصات

لم يشغلني بعض الزاعقين والإعلاميين المأجورين الذين هاجموا قرار إعادة تشكيل لجنة الدراما قبل إعلانها، وعقد مؤتمر يبحث في مستقبل الدراما قبل عقده. فبعضهم مدفوعون لما قالوه، والبعض يزايد على الدولة لأهداف رخيصة وشخصية.
والمُؤكد أن موسم رمضان الماضي شهد انحطاطًا فنيًا غير مسبوق، وأن بعض الأعمال لا يمكن أبدًا أن توصف بأنها أعمال فنية، بل هي رسالة قبيحة وجرائم يجب أن يُقدم فاعلوها للمحاكمة، بعدما احتشدت بفجاجة منقطعة النظير وألفاظ بذيئة وقصص ملفقة وشخصيات شاذة وتجار مخدرات وآثار وراقصات وأولاد حرام، دون قيمة أو ضابط أو رابط أو رسالة أو حتى تسلية.
الحقيقة أن، دعوة الرئيس السيسي للتوقف أمام ما تقدمه الدراما والمراجعة كانت قرارًا في الوقت الصحيح تمامًا ولصالح ملايين المصريين ولصالح الفن المصري والقوة الناعمة المصرية.
فقد قال الرئيس السيسي خلال لقاء “المرأة المصرية والأم المثالية” إن دور الفن والإعلام مهم جدًا في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام، مضيفًا أنه تحدث في هذا الأمر وطلب مراجعة وليس منعًا.
وأوضح الرئيس السيسي أنه إذا كانت تكلفة صناعة الدراما تصل إلى 30 مليار جنيه، فإن تأثيرها على المجتمع يبلغ أرقامًا كبيرة للغاية، تنفقها الدولة في أشياء أخرى.
وأضاف أن الموضوع تحول من صناعة إلى تجارة مع الوضع في الاعتبار أنه من الممكن تحقيق أرباح لو كانت الأعمال جيدة، مضيفًا أنه يخشى على الذوق العام للمصريين.
وهذه حقيقة، فالدراما والفن والأدب قوة ناعمة مصرية، ولا يعقل التفريط فيها بدعوى “الجمهور عايز كده”، وهي الدعوى التي دمرت السينما المصرية في وقت سابق من الأوقات. وأصبح الحصول على فيلم مصري راقي ومسلي أو يحمل قضية أو حتى كوميدي بشكل لائق وراقي أمرًا نادرًا، وأدى في وقت من الأوقات إلى ظهور “سينما المقاولات” وانخفاض الإنتاج السينمائي من 80 و90 فيلمًا إلى 16 فيلمًا في العام في نهاية التسعينيات.
الواقع أن التحرك في هذا الملف للمراجعة وإعادة النظر في الدراما المصرية وما يُعرض جاء جادًا وقويًا من جانب الدولة.
ومنها لقاء الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بأعضاء اللجنة المُشكلة برئاسة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، لبحث تحديات ومستقبل الإعلام والدراما المصرية، وتأكيده أن تشكيل هذه اللجنة جاء تنفيذًا لتوجيه من الرئيس السيسي، بتشكيل لجنة تضم المختصين، تعمل على مستوى استراتيجي في هذا الملف.
وأوضح رئيس الوزراء، أن اللجنة ستعد خطة مرحلية متكاملة لتنفيذها خلال السنوات العشر القادمة، لتحقيق أهدافها في إعادة صياغة الشخصية المصرية.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن الحكومة مستعدة لتقديم الدعم المطلوب للأعمال الدرامية الهادفة التي تحقق الأهداف الاجتماعية والوطنية المطلوبة، سواء فيما يتعلق بغرس الانتماء أو تعزيز تماسك الأسرة، وإبراز القيم المصرية المتميزة. مضيفا: “هدفنا واحد وهو دفع هذا القطاع إلى الأمام، وتعزيز دوره المهم، ومصر تمتلك الإمكانات التي تحقق ذلك“.
وعلى ناحية ثانية، قال أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، في كلمته خلال فعاليات مؤتمر “مستقبل الدراما” إنه جاء استجابة لرؤية الرئيس السيسي، والتي تقضي بضرورة تعزيز القيم، ومواجهة موجات العنف والجريمة وتعاطي المخدرات، وإشعال الصراع المجتمعي، وترويج الابتذال اللفظي والانحراف السلوكي، وتدمير قيم العائلة.
وتابع أحمد المسلماني في المؤتمر: “أن السينما والدراما لا تخص أصحابها وحدهم، بل تخص مجتمعًا يزيد على المائة مليون إنسان، ومحيطًا عربيًا وإقليميًا يقارب نصف المليار نسمة. ولما كان الأمر كذلك، فإنه من الضروري أن يكون هناك حوار مجتمعي مستمر يضم المفكرين والأكاديميين ودوائر المثقفين من أجل تعزيز إبداعنا، وتصحيح مساراتنا، ودعم أهداف بلادنا في تحقيق الأمن والرخاء، وفي توسيع مساحة العقل والحرية، وترسيخ قيم العلم والبناء“.
وهذا كله يؤكد رغبة الدولة في تغيير خط الهبوط والتدني الذي شهدته الدراما المصرية في السنوات الماضية. ففي الوقت الذي كانت فيه الدراما المصرية تقدم تنويعات مملة ومكررة، عن القتلة والسفاحين وتجار المخدرات والبلطجة، كانت الدراما السورية، رغم إمكانياتها المحدودة، تقدم ملاحم درامية عرفها المواطن العربي في كل مكان، مثل “باب الحارة” و”التغريبة الفلسطينية” و”مسلسل عمر” و”صقر قريش” و”ملوك الطوائف” و”ربيع قرطبة” و”أهل الغرام وغيرها وغيرها“.
إن ما حدث للدراما خلال السنوات الماضية كان إصرارًا على أن توصف بالهزل والفساد، وتُضيع أخلاقيات جيل كامل لا يعرف شيئًا عن هويته.
هناك حاجة لدراما مصرية حقيقية، تُكتب بعيدًا عن من هم من ضحالة الثقافة والفكر “والأرزقية”، ومن هم من متخلفي الفن وشواذ الفكر والخلق، لتودع الدراما المصرية أجواء الفقر الفني والموضوعي وتصنع مستقبلاً فنياً جديداً يحمل الصدق والرقي.
.. لتودع الدراما المصرية أجواء البلطجة والمخدرات والمجرمين والقتلة والسفاحين والراقصات، وتدخل عوالم حقيقية من قصص كفاح ونجاح لأسر مصرية من لحم ودم، وقصص وطنية لأبطال مصريين قاوموا مختلف صنوف الاحتلال ورموز وطنية دافعت عن الفكر والثقافة، وهوية حقيقية للوطن.
.. راجعوا الدراما السورية، راجعوا الملاحم التركية وعناوينها وقضاياها، وشاهدوا كيف يكتب الآخرون أعمالهم وما يقدموه لجماهيرهم.
وفي الجهة الأخرى، ما يقدمه لنا هنا “مخابيل” وفاسدون لا يجيدون النطق ولا الأداء، فيقفوا أمام الكاميرا ووراءها ليقدموا أبشع ما لديهم، ثم تدعي لجان إلكترونية تابعة لهم أن مثل هذه الأعمال الزاعقة الفاسدة تصدرت “التريند“.!!!
إن قرار المراجعة وإعادة النظر في تطوير الدراما ومستقبلها قرار حكيم ومهم، ويحسب للرئيس السيسي ووقفة مهمة بألا تُنفَق مئات الملايين والمليارات سنويًا، على أعمال توصف ظلمًا بأنها “أعمال فنية”، بينما هي أعمال تُعلم الجريمة وتشجع عليها، وتحط من منظومة القيم المصرية والأخلاق، وتخلق جيلًا مشوهًا من الشباب لا يعرف قضية ولا يشعر بأي انتماء، وتفسد الذوق العام.