منوعات

السخرية المصرية إبداع

جمال حمدان: الاستمرارية صنعة أصيلة فى شخصية المصري

 

الدارس والمراقب للتراث الشعبى المصرى فى مواجهة الأزمات بكافة أشكالها من أوبئة واحتلال وفقر سيجد ان سلاح المصريين فى مواجهة ذلك كانت التنكيت والتبكيت.. وكأن ذلك هو سفينة نوح التى ستنفذهم والواقع يقول إنه فى أشد الظروف قسوة نجد دائماً الشعب المصرى قادراً على السخرية ففى الحروب الصليبية وهم يدكون الشرق دكاً نجد كتاب «الفاشوش فى حكم قراقوش» الذى ألفه الأسعد بن عماتى هذا السوط الساخر الذى دفع نابليون بونابرت أو كما سماه المصريون بونابرته أن يصدر قانوناً لمعاقبة الشعب المصرى على نكاته وفكاهاته التى تم اطلاقها على الفرنسيين، ولقد نجح المصريون فى إفساد حياة نابليون أمهره القادة فى عصره الأمر الذى أدى بنابليون بأن يصرخ بأعلى صوته مهدداً الشعب المصرى قائلاً: «إياكم وحديث المساخر».

ولما كان العرق والجينات تمد إلى سابع وعاشر جد نجد فى الأدب الفرعونى كثير من القصص والأشعار التى تحمل كم هائل من الفكاهة والسخرية والمرح وخفة الدم على جدران المعابد.. واستمرت تيمة القط والفأر حتى العصر القبطى وذلك مدون على جدران فى أحد الأديرة القديمة فى الصعيد على شكل يشهد لـ ٣ فئران تطلب العفو والسماح من القط الذى يجلس فى كبرياء وغطرسة.

ولنرجع كثيراً إلى الزمن الفائت نجد أن المصريين منذ أصبح للزمان معنى نصبوا إلهاً للضحك على شكل قزم مقوس الظهر، هذه الروح جعلت أحد شعراء الرومان الكبار إلى القول إن الصريين شعب ماكر لاذع القول روحه مرحة.

وليتضح الروح الساخرة عند شعب مصر فى العصر الفاطمى حينما أراد الفاطميون فرض مذهبهم الشعبى على الشعب المصرى السنى ظل المصريون على مذهبهم السنى واستمروا على حب آل البيت الكرام ليس نفاقاً أو كذباً.. واستمرت مصر إلى الآن تلبس رداء المذهب السني.. بهوى حب أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وفى العصر الفاطمى حاول البعض وادعى علم الغيب.. هنا ثار المصريون أصحاب الدعة والمرح ويقولون فى ذلك أن العزيز بالله صعد المنبر ذات يوم فرأى ورقة مدون فيها «بالظلم والجور قد رحبنا وليس بالكفر والحماقة.. إن كنت أعطيت علم الغيب فقل لنا كاتب البطاقة».. وجاء العصر المملوكى وابتكر أهل مصر فن الأراجوز وبعده خيال الظل كأحد وسائل التنكيت.

ويروى ان المؤرخ الجبرتى قال إن المصريين تهكموا على الباشا التركى بأغنية تم تأليفها ولحنوها خصيصاً لهذا الباشا العثمانى «يا باشا يا عين القملة مين قالك تعمل دى العملة».

أما تصرفات المصريين مع الانجليز فإن أكثر ما كان يغيظ الإنجليز هو تصرفات النساء المصريات فى الحوارى والأزقة.. فما كان من الإنجليز إلا إصدار قانون يقوم كل من تقوم بالسخرية والتهكم من انجليزى وسمى هذا القانون «قانون المعايرة» والسبب أن نساء مصر كانت تستوقفن الجنود الإنجليز وهات يا ردح بالطريحة الشعبية.. هذه كانت الوسيلة المتاحة فى مواجهة الاحتلال.. حتى فى أيامنا هذه وتفشى الوباء الملعون المسمى كورونا أو كوفيد- 19 هذا الوباء نال نصيبه وحقه من ألسنة المصريين.. وكان قبل الوباء بقليل عاشت مصر تحت إعصار التنين.. ومن هنا نشأت الإفيه الشهير «اعصار محلى محطوط على كورونا».

ويشرح النابغة المصرى جمال حمدان ان الاستمرارية صفة أساسية فى شخصية المصرى لذا فإن هناك سمات متوارثة منذ الأجداد الأوائل منها خفة الدم وروح الفكاهة وهذا قد يرجع إلى جين وراثى يجعل المصريون يضحكون فى عز المآسى حتى لا يموت الإنسان من الغم والقهرم.. وفى إبان أحداث ثورة 25 يناير كانت روح المزاح والفكاهة عالية لدرجة أن أحدهم رفع لافتة مكتوب عليها «ارحل بقى ايدى وجعتني».. ويرى عالم الاجتماع الأشهر ابن خلدون أن أهل مصر كأنهم قد فرغوا من الحساب.

ان الواقع أنه لا يجب أن نفسر السخرية تفسيراً سلبياً بل إن النكتة أبداع وكثير من السخرية لا يخلو من إبداع بل لا يخلو من وظيفة ايجابية تتمثل فى التخفيف من الآثار السلبية للفرع.. كما الخوف والهلع من أزمة كوفيد- 19 اللعين ومؤخراً قام أحد المواطنين بمدينة طنطا وسط أجواء عيد الأضحى المبارك برسم علم تركيا على خروف قبل ذبحه.. قائلاً إن مصر خط أحمر لكل من يتطاول عليها.. ويكون مصيره مصير ذلك الخروف.

زر الذهاب إلى الأعلى