رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
داليا ابو شقة
حوارات وتحقيقات

إخفاء بيانات الفتيات المتحرش بهن في مصر.. خطوة هائلة يتابعها العالم

تحدت هند عبد الستار كل الضغوطات والتهديدات، وتجاوزت عن مشاعر الرعب والقلق التي سيطرت عليها، لتتقدم ببلاغ ضد من قام بالتحرش بها، وتصرّ علي ملاحقته قضائيا؛ لتحصل علي حكم بإدانته بالسجن 5 أعوام.

إصرار “هند” مخرجة أفلام قصيرة وصاحبة أول حكم ضد من تحرش بها، لا يتوافر لدى فتيات عديدة يتعرضن للاعتداء الجنسي، ويلوذن بالصمت؛ خشية أي ابتزاز أو تهديد لهن أو لأسرهن.

جاء مشروع قانون حكومي جديد يقضي بـ “سرية بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي” كـ “طوق نجاة” لهؤلاء الفتيات، وتمكينهن من فضح المتحرشين، دون خوف الكشف عن بياناتهن وسط أهاليهن ومعارفهن وجيرانهن.

ووافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء الماضي، على مشروع قانون يقضي بحماية سمعة المجني عليهن في جرائم هتك العرض والتحرش، عبر عدم الكشف عن هويتهن، بحسب بيان رسمي.

وجاء في نص المشروع: “أن يكون لقاضي التحقيق لظرف يُقدِّره، عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكررا، أو 306 مكررا ب، من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وينشأ في الحالة المشار إليها، ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، يعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك”.

أكدت “هند” صاحبة أول حكم قضائي ضد من قام بالتحرش بها أن مشروع القانون “خطوة جيدة” على طريق الحد من ظاهرة التحرش..

واعتبرت القانون إجراء يشجع أي فتاة تتعرض للتحرش على الإبلاغ رسميا والحفاظ علي حقوقها وكرامتها.

وتضيف هند أن “السبب الرئيس للحد من ظاهرة التحرش هو أن تتخذ الفتاة موقفا شجاعا يبدأ بفضح المتحرشين، حتى لو كانوا في دائرة معارفهم”.

إخفاء البيانات من المحاضر

من واقع تجربتها السابقة، ترصد “هند” معاناة الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش، وأسباب إحجامهن عن ا

وتقول: “تخشى الفتاة التي تتعرض للتحرش من دخول قسم الشرطة للإبلاغ خشية ردود فعل ضباط القسم، وماذا سيقولون عنها، وهل ستحصل على حقها أم لا، فضلا عن أن المحضر يتضمن كافة بيانات الفتاة مما قد يعرضها لاحقا للتهديد من قبل من قام بالاعتداء عليها أو ذويه”.

وأعربت عن أملها في إخفاء بيانات المجني عليها من محاضر الشرطة حفاظا علي المجني عليها.

يشار إلى أن مشروع القانون الحكومي الجديد يستهدف حماية سمعة المجني عليهم من خلال عدم الكشف عن شخصيتهم في الجرائم التي تتصل بهتك العرض، وفساد الخلق، والتعرض للغير، والتحرش، الواردة في قانون العقوبات وقانون الطفل، خشية إحجام المجني عليهم عن الإبلاغ عن تلك الجرائم.

تجربة سيئة جدا

وتروي مخرجة الأفلام القصيرة وقائع من تجربتها، وفق تقرير “لسكاي نيوز عربية” قائلة إن مشاعر الخوف من المتحرش أو أهله لم تكن موجودة لديها، لكن خشيتها الوحيدة كانت على أهلها، والمقربين منها ووصفت ما تعرضت له بـ”التجربة السيئة جدا”.

وتتذكر هند :”تعرضت لضغوط من أهل المتحرش بي لسحب المحضر، فكانوا يزعمون أنه لم يقصد الاعتداء علي، لكن مع تجاهلي لمطلبهم تطور الأمر إلى تهديد مباشر لي”.

لكنها لم تتراجع عن ملاحقة المتحرش حتى قُدم للمحاكمة العاجلة، وهو ما عبرت عنه بالقول: “هذه التجربة جعلتني فخورة بأنني أكملت الطريق حتى الحكم على المتحرش ب 5 أعوام”.

وترى أن المشكلة الرئيسية التي تعمل على انتشار ظاهرة التحرش تبرير البعض ومن بينهم شيوخ ودعاة فعل التحرش، وربطه بمظهر وملابس الفتاة، وهو تبرير خاطئ بدليل أن هناك منتقبات يتم التحرش بهن، وأطفال يتم الاعتداء عليهم

وكانت هند قد تعرضت لحادث الاعتداء عليها، حين كانت تسير في أحد شوارع مدينة حلوان (جنوب القاهرة) ووجدت فجأة شخص يخرج من مركبة “توكتوك” ويقوم بملامسة جسدها لتلاحقه وتسجل رقم المركبة وتحرر لاحقا محضرا في قسم الشرطة بالواقعة و أوصاف المتهم.

نقلة نوعية

“نقلة نوعية فى مواجهة ظاهرة التحرش”، هكذا وصفت المحامية نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، مشروع القانون الجديد.

وقالت “أبو القمصان” في حديث خاص لـ”سكاي نيوز عربية” إن “مشروع القانون سيكون عاملا مشجعا ومحفزا للفتيات ممن يتعرضن للتحرش ويخشين معرفة بياناتهن، للتقدم ببلاغات ضد المتحرشين”

كما أشادت رئيس المركز المصري لحقوق المرأة بتوقيت إعلان المشروع واعتبرت أنه “يعكس وجود حوار متصل بين الحكومة والمجتمع”.

وشغلت الرأي العام المصري مؤخرا قضية تبنتها حملة علي مواقع التواصل الإجتماعي تطالب بمحاكمة الطالب الجامعي أحمد بسام زكي، الذي كان هدفا لحملة على موقع إنستغرام انطلقت من حساب تضمن منشورات لنحو 50 سيدة اتهمنه بارتكاب جرائم جنسية بحقهم.

ووجه النائب العام المصري للطالب بسام زكي لائحة اتهامات في جرائم ضد 3 فتيات على الأقل، إحداهن قاصر.

ويواجه المتهم ، بحسب بيان أصدره النائب العام، اتهامات “الشروع في مواقعة فتاتين بغير رضاهن، وهتكه عرضهما، وفتاة أخرى” بين عامي 2016 و2020، وكذلك تهمة الابتزاز.

وفيما يتعلق بهذه القضية، أشارت نهاد أبو القمصان إلى قضية زكي كشفت وجود تخوف لدى ضحاياه من اللجوء للعدالة لتعرضهن لضغوط شديدة، وابتزاز من الجانب المبلغ ضده، علاوة على الوصمة الإجتماعية بشكل عام التي قد تلاحقهن.

وزادت: “مشروع القانون الذي يحفظ سرية بيانات المعتدى عليهن يعتبر تطور هام في القضاء على عقبات الإبلاغ عن قضايا التحرش والانتهاكات الجنسية في مصر”.

خطوة سيذكرها التاريخ

كما حرص المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي وجميع عضواته وأعضائه على تقديم الشكر إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي لموافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون، الذي يراعي مصلحة المجني عليهن والحفاظ على سرية بياناتهن”.

وأعربت مايا مرسي عن “فخرها وامتنانها بالموافقة على مشروع القانون”، واصفة ما حدث بأنه “خطوة مهمة سيذكرها التاريخ”.

وأكدت مرسي” اهتمام الحكومة المصرية بما يثار حاليا من شكاوى الفتيات ضحايا التحرش وخوفهن من الإبلاغ عن جرائم التحرش والاعتداء الجنسي التى ترتكب فى حقهن خشية تأثيرها على سمعتهن والإضرار بهن.

وفي تجاوب برلماني سريع على مشروع القانون، قال وكيل اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب إيهاب الطماوي في حديث خاص لـ”سكاي نيوز عربية”: نرحب بشدة بمشروع القانون، ونشكر الحكومة على التقدم به خاصة في هذا التوقيت”.

وشدد “الطماوي” على أن “اللجنة التشريعية لن تتأخر عن مناقشة مشروع القانون بمجرد إحالته للجنة، متوقعا أن يلقى قبولا كبيرا من النواب.

ورجح وكيل اللجنة، صدور مشروع القانون خلال دور الانعقاد الحالي، قائلا: “البرلمان سيكون حريصا على مناقشته، والانتهاء منه في أسرع وقت لأهميته “.

استراتيجية قومية لمكافحة التحرش

وفي سياق برلماني ليس ببعيد، وجهت الدكتورة إيفلين متى بطرس، عضو مجلس النواب، أمس الخميس مقترحا برلمانيا إلى رئيس الوزراء، ووزراء التعليم والرياضة والأوقاف؛ لوضع استراتيجية قومية لمكافحة ظاهرة التحرش في مصر بمشاركة مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني.

وقالت النائبة في بيان حصلت “سكاي نيوز عربية” على نسخة منه إن “الجريمة التي هزت كيان المجتمع المصري منذ أيام، والتي تتعلق بجريمة الشاب أو الطالب الذي اغتصب وتحرش بـ50 فتاة،، بمثابة جرس إنذار لنا جميعًا وتدق ناقوس الخطر للتحرك”.

واستطردت: “التحرش جريمة أخلاقية في المقام الأول، والقضاء عليها لن يكون من خلال تشديد العقوبات، ولكن بوضع استراتيجية شاملة للقضاء عليها، تبدأ من الأسرة التي يقع على عاتقها دور كبير في الالتزام لمسؤولياتهم تجاه الأبناء، والحرص على مشاركة أزماتهم بصراحة متبادلة”.

وشددت على ضرورة تفعيل دور مؤسسات الدولة التعليمية والتربوية والثقافية والدينية والرياضية نحو هذه الظاهرة، وتكثيف حملات التوعية والاعلام لإعلاء القيم الإيجابية والقيم المصرية الأصيلة.

Back to top button